2- عمر الإنسان
عمر الإنسان
د.صلاح بركات
إن تعدد مراحل حياة البشر من ضعف وقوة ثم ضعف، أو من طفولة وشباب وكهولة هي من سنن الله في خلقه ولا ينأى عن ذلك أي كائن حي؛ حيوان كان أم نبات، وإذا كانت ميزة مرحلة الشباب الحركة والنشاط والعنفوان، فلماذا لا تكون حياتنا مملوءة بالنشاط والحيوية والتجديد والعطاء ضمن حدود المستطاع بغض النظر عما نحن فيه من العمر، فالعمر لا يمكن حصره فقط بمرور السنوات والأشهر، وإنما العمر المجهول مدته لدى الإنسان هو رأسماله لا يبدد جزافا، والاستفادة منه أمر مطلوب وضروري، ويجب أن تكون المنفعة منه ليست شخصية فقط وإنما لمن حولنا أيضا، ومن أجل أن تكون فائدة عمرنا أكثر شمولية، علينا ان نزيد في علمنا ومعرفتنا وثقافتنا وفائدتنا للآخرين، ولا ننقطع عن طلب العلم والعمل اللذان يحققان نضارة الذهن والفؤاد وبالتالي ربيع حياة دائمة، ولنعش سنين معدودة ولكن لتكن مشرقة بناءة مفعمة بالخير وذات هدف نبيل.
1- عمر الإنسان عبر التاريخ
توصل فريق من الباحثين من الولايات المتحدة إلى أن طول عمر الإنسان قد شهد قفزة كبيرة ومفاجئة في بداية العصر الحجري القديم أي منذ ما يقارب من 30 ألف سنة، حيث زاد عمر الإنسان اليوم إلى خمسة أضعاف الأمر الذي سمح للناس أن يعيشوا عمرا أطول ويكتسبوا الحكمة عبر سني عمرهم المديد ويعتقد الباحثون أن طول عمر الإنسان كان له آثارا سلبية وإيجابية فعلى الجانب السلبي يرى العلماء أن طول العمر أدى إلى إصابة الإنسان بأمراض كثيرة لم يكن يعرفها من قبل او غير ملاحظة بشكل واضح، وكذلك الشعور بعدم القدرة على الحركة مع تقدم العمر، وعلى الجانب الايجابي يرى العلماء أن طول العمر لم يؤد إلى تشجيع العلاقات الاجتماعية وروابط النسب فحسب بل إلى تمرير المعلومات وانتقال الخبرات من جيل لآخر، كما أن طول العمر يلعب دورا كبيرا في زيادة عدد السنوات المتاحة للتناسل، وأدت هذه العوامل مجتمعة إلى زيادة عدد السكان وتطور العلاقات الاجتماعية وزيادة الحركة والتنقل وظهور أنظمة أكثر تعقيدا للتعاون والتنافس.
أوضح تقرير أعده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري أن متوسط عمر المصريين يتزايد بصفة عامة بالرغم من الضغوط التي يعانون منها، حيث زاد متوسط عمر الرجال من 60 عاما سنة 1986 إلى 65 عاما سنة 1996، ثم إلى 67 عاما سنة 2003، بينما ارتفع متوسط عمر الإناث من 63 عاما سنة 1986 والى 69 عاما سنة 1996 ثم إلى 71 عاما سنة 2003.
نشرت جمعية الاصحاح والطب الوقائي الإيطالية تقريرا يقول أن طول أعمار الإيطاليين من الرجال زاد بمتوسط 12.9 عام، والإيطاليات بمتوسط 15.4 عام في الفترة بين 1960 و2002 مقابل متوسط إطالة عمر الفرد الأوروبي بشكل عام زاد بمقدار 11 عام للنساء و 10.7 للرجال، وأضاف التقرير أن الإيطاليين يعدون رابع أطول شعوب القارة الأوروبية أعمارا، حيث يقدر العمر المتوقع عند الولادة للإيطاليين من الذكور 76.8 عام وللإيطاليات 82.9 عام.
ويكمن سر طول العمر عند السيدات مقارنة بالرجال في الأمومة والإنجاب، فقد وجد أطباء مستشفى الملكة شارلوت بلندن أن الخلايا الأولية تنتقل من الجنين النامي إلى النخاع العظمي للأم أثناء المراحل الأولى من الحمل، وبالتالي تساعد في تجديد الأنسجة وترميم التالف منها عند الأم، وتقوي مناعتها ضد الأمراض وتطيل فترة حياتها، أضف إلى ذلك أن عادات النوم عند النساء قد تطورت لتساعدهن على التأقلم والتكيف مع بكاء الأطفال الصغار الذين يستيقظون بشكل متكرر أثناء الليل، لأن الحرمان من النوم يؤثر في مستويات الهرمونات ويعمل على إنتاج الكيماويات المؤذية للجسم، حيث يعاني الرجال فقط من زيادة مستويات عامل النخر الورمي ألفا ( TNF ) الذي يساهم في الإصابة بالبدانة والسكري، ويزيد من مخاطر إصابتهم بمشكلات صحية بسبب الحرمان من النوم، ومن المعروف أن النوم الجيد عامل مهم جدا للمحافظة على الصحة، لأن الجسم يعمل خلاله على إصلاح وترميم الأنسجة التالفة بتناسق منتظم.
تقول إليزابيث بلاكبيرن أستاذة الكيمياء الحيوية بجامعة سان فرانسيسكو أن العمر يمكن أن يمتد بالإنسان إلى 175 عاما في عام2100، وتضيف أنه في التجارب التي أجريت على الحيوانات الصغيرة حينما يتم تحويل بعض الجينات عن شكلها الطبيعي، فإنها تسبب إطالة العمر ضعفين، وإلى يومنا هذا ليس هناك دليل على أن عمر الإنسان يتوقف عند معدل واحد، فمتوسط حياة الذكر في بريطانيا في الخمسينات من القرن التاسع عشر كان 40 عاما، في أن متوسط حياة الأنثى في الفترة ذاتها بلغ 42 عاما، وبحلول عام 2000 بلغ متوسط حياة الرجل 79 عاما والمرأة 80 عاما، وهي الزيادة التي يتوقع أن تستمر على مدى العقود القليلة القادمة.
توقع خبراء الشيخوخة الستين السنة الذين الذين ُطلب منهم توقع عدد السنين التي سيعمرها طفل يولد في عام 2100، فرجح أكثر من نصفهم أنه سيعيش أكثر من 100 عام، وذكر سبعة منهم أنهم يعتقدون أن عمره يمكن أن يتراوح بين 150 و200 عام، وفي الماضي كانت الزيادة في عمر الفرد ناتجة عن تحسن ظروف المعيشة والبيئة، واندثار أو السيطرة على بعض الأمراض المعدية كالجدري والسل، وعلى مدى القرن المقبل يقول العلماء أن التطور في الجينات سيطيل متوسط عمر الفرد إلى حد أكبر بكثير، فحينما نزداد تقدما العمر تتوقف الخلايا ببط عن إصلاح وتجديد نفسها، فقد أشار بحث نشر في مجلة سل العلمية المتخصصة، أن فقد الأطراف البروتينية التي عادة ما تغطي حواف الكروموسومات في الخلية، يمكن أن تسرّع من ظهور الشيخوخة عند الفئران، ويحافظ الطرف البروتيني على المادة الوراثية للخلية من التفكك مثلما يربط شريط مطاطي الشعر ويبقيه في مكانه، وتعطيل قدرة خلايا الفئران على بناء هذه الإطراف، يسبب ابيضاض شعره في وقت مبكر، ويصلع بشكل أسرع، ويكون أكثر عرضة للإصابة بالأورام ويفقد نشاطه بسرعة، ويموت بسن صغيرة، والتطور الجيني ليس وحده الذي قد يطيل العمر البشري، فالبحوث التي أجريت على الحيوانات أظهرت أن الإقلال من معدل استهلاك السعرات الحراري يمكن أن يطيل العمر بنسبة 30%.
إن حجم الدور الجيني في طول العمر لا يتجاوز 20-30% ، وأشقاء الأشخاص الذين بلغوا المائة عام، يمتلكون فرصة العيش إلى سن المائة تفوق فرصة الأشخاص الآخرين بـ 17 مرة، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 8.5 مرة بالنسبة للشقيقات.
أظهرت دراسة أمريكية أن مدة الحياة المتوقعة عند فئات السود 69 سنة، تكون أقصر بنحو ست سنوات مقارنة بالأفراد من أصحاب البشرة البيضاء (75 سنة) ولفت الباحثون الانتباه إلى أن أمراض القلب والسرطان تعد أهم أسباب الاختلافات بين العرقين، حيث تكون مدة الحياة المتوقعة للبيض المصابين بأحد هذين المرضين أطول بسنة مما هي عند السود، والسبب الرئيس الثاني لهذا الاختلاف هو القتل الذي يحتل المرتبة الثالثة عشر بين أسباب الوفاة عند الأمريكيين.
2- أسرار العمر الطويل
للحياة الطويلة أسرار عدة كشف عنها الباحثون في كلية هارفارد الطبية الذين أكدوا أن البقاء على قيد الحياة لمدة طويلة، يرتبط بالقرارات والخيارات الشخصية للإنسان، فقد وجد الباحثون من خلال دراسة بدأت عام 1940 تابعوا فيها الصحة البدنية والعقلية لـ 724 رجلا على مدى ستين عاما، وهي أطول دراسة في العالم تتعلق بالصحة البدنية والمهنية، عدة عوامل تنبئ عن الشيخوخة السليمة، وتشمل: الابتعاد عن شرب الكحول، الزواج المستقر، الرياضة، المحافظة على وزن الجسم المثالي، ممارسة تقنيات الاسترخاء والتحمل، وعدم الإصابة بالكآبة، وبينت الفحوصات البدنية التي تم أجراؤها كل خمس سنوات والاختبارات النفسية التي أجريت كل سنتين، أن الاكتئاب هو العامل الوحيد الذي أثر على نوعية الحياة في مراحل الشيخوخة دون أن يكون للفرد يد فيه، وتشير الدراسات الى أن الاكتئاب الموسمي يصيب شخصا واحدا من بين كل 12 شخصا وخاصة في فصل الخريف بسبب قلة التعرض لأشعة الشمس وغيرها من العوامل ، وتجدر الإشارة الى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من الرجال، ويعود سبب ذلك للتغيرات الهرمونية التي تحدث لدى المرأة دوريا، وأن حوالي 15% من الذين يعانون من الاكتئاب يلجئون الى الانتحار ولاحظ الباحثون في الدراسة أيضا أن مستوى التعليم والثقافة والانخراط في الحياة الاجتماعية والعملية، وليس المال أو الطبقة الاجتماعية، هو من يلعب دورا أيضا في طول مدة الحياة.
3- الساعة البيولوجية
أكدت دراسة طبية أن التحكم في ساعة الجسم البيولوجية بزراعة خلايا دماغية خاصة، يساعد في إطالة أمد الحياة، وقال الدكتور مارتن رالف أخصائي العلوم النفسية في جامعة تورنتو الكندية أن زراعة مجموعة جديدة من الخلايا الدماغية في أدمغة حيوانات الهامستر المسنة أطال في أمد حياتها بحوالي 20%، مشيرا إلى أن وجود خلل في الساعة البيولوجية الداخلية للجسم، يسبب ظهور أنماط نوم غير طبيعية، تم ربطها منذ زمن طويل بالشيخوخة لدى البشر، وقال أن حيوانات الهامستر تصاب أيضا بخلل في ساعتها البيولوجية في نهاية مدة حياتها، حيث تحدث الوفاة خلال 3 أشهر، بعد أن تبدأ خلايا الدماغ بالتآكل.
4- الغذاء
تُرجع بعض الدراسات إلى أن طول العمر يتوقف على معدل سرعة عملية الاستقلاب في الجسم، فأصحاب الاستقلاب السريع يعيشون عمرا أقل، واستنتجت هذه النظرية من ملاحظة أن الحيوانات الكبيرة ذات معدلات الاستقلاب البطيء مثل الأفيال، تعيش فترات أطول من الحيوانات ذات معدلات الاستقلاب السريع مثل الفئران، وهناك دراسة أظهرت عكس ذلك عند الأحياء من نفس النوع.
أوضحت دراسة أجرتها جامعة كمبريدج البريطانية، التي شملت نحو 25 ألف شخصا تراوحت أعمارهم بين 45 و 79 عاما، بأن إجراء تغييرات بسيطة في أسلوب حياة الإنسان، يمكن أن يؤدي إلى إطالة عمره بنحو 11-12 سنة، وبينت الدراسة أن تناول خمس قطع من الفاكهة و الخضروات الطازجة يوميا يمكن أن يزيد العمر المتوقع في المتوسط بنحو ثلاث سنوات، أما التوقف عن التدخين فيزيد العمر المتوقع بنحو 4-5 سنوات كما تزيد ممارسة التمارين الرياضية بانتظام العمر المتوقع بثلاث سنوات، وتختلف فترة التمارين المطلوبة للفرد باختلاف نوعية العمل الذي يقوم به، فإذا كان الفرد يقوم بعمل مكتبي فانه في حاجة إلى ممارسة ساعة من التمارين الرياضية يوميا مثل الجري أو السباحة، أما الفرد الذي يمارس عملا فيه نشاط حركي، فإنه يحتاج إلى قدر متوسط من الحركة، مثل مصفف الشعر، فهو في حاجة إلى نصف ساعة فقط من التمارين اليومية.
ويميل معمري اوكيناوا إلى القيام بالنشاطات البدنية والعقلية خلال حياتهم، كما أن أنظمتهم الغذائية من النوع الذي يحتذى به، حيث أنها قليلة الشحوم والملح وتحتوي على كميات كبيرة من الفاكهة والخضروات الغنية بالألياف والمواد المضادة للأكسدة، التي تقي من السرطان وأمراض القلب والسكتات الدماغية، ويستهلك هؤلاء كميات أكبر من الصويا مقارنة بأي شعب في الأرض حيث تتراوح بين 60 و120 غرام يوميا بينما تتراوح بين 30 و50 غرام لبقية اليابانيين، ومن المعروف أن الصويا غنية بمركبات الفلافونيويد؛ وهي مركبات مضادة للأكسدة ويُعزى إليها انخفاض معدلات الإصابة بالسرطان، كما أنهم يأكلون بشكل لا يتجاوز نسبة 80% من الشبع.
يوضح أحد المعمرين الصينيين أسرار العمر الطويل بأنه يكمن في تناول إفطار يومي، والأكل الجيد عند الغداء، والإقلال من الطعام قبل النوم، والإكثار من الخضروات، والخلود إلى النوم باكرا، والرياضة، وعدم النوم على الجانب الأيسر لأنه مضر بالقلب ويعرقل الدورة الدموية.
وأشارت دراسة طبية بريطانية الى أن السمنة المفرطة في مقتبل العمر (30 سنة) تزيد من فرص الاصابة بالخرف عند الكبر بنسبة لا تقل عن 50% ، أما الاشخاص الذين يصابون بالبدانة وهم في الثمانيات من العمر يكونون أقل عرضة للاصابة الخرف عند الكبر بسبب اخلاف نوعية الهورمونات المرتبطة بالسمنة مع العمر.
5- التدخين
التدخين أحد أمراض العصر القاتلة والصامتة، ويحصد الكثير سنويا بالرغم من تحذيرات الأطباء منه، ولطالما أكد أخصائيو العلوم الجلدية أن التدخين يسبب الشيخوخة المبكرة للجلد والظهور السريع للتجاعيد، وتدخين الشيشة بدون إضافة مواد مخدرة يعادل 55 سيجارة، والأضرار التي تحدثها تكون بشكل مضاعف عن تدخين السيجارة ، منها احمرار العينين وزوال نعومة الشعر وتجعده وشحوب الوجه، وضمور الشعيرات المخاطية، وتحول لون الأسنان إلى اللون الأصفر ثم الأسود، وانبعاث روائح كريهة من الفم، واضطرابات تحدث للدورة الشهرية عند النساء.
6- العلاقات الزوجية
تشير أبحاث من جامعة بايروت الألمانية إلى أن الانسجام العائلي وتبادل القبل، يبدد التوتر ويعزز المناعة ويطيل العمر، حيث راقب الأستاذ فون هوست وفريقه تصرفات حيوانات « توبايا » التي تعيش في جنوب أسيا، ولاحظ أن زيجات هذه الحيوانات غير السعيدة كانت تعيش بشكل متوتر دائما، وتميل إلى التناطح بشكل دائم، وأثبتت الفحوصات الطبية أن افرازات هرمونات التوتر تزداد كثيرا عند الحيوانات التعيسة الزواج، فتزيد من سرعة نبضها، وتنعزل، ويزداد وزنها وتموت، أما في حالة الزيجات المنسجمة فقد كانت تعيش بسعادة ورشاقة، وبصحة جيدة، وتتبادل القبلات بكثرة، وتعيش لفترات أطول من غيرها بشكل ملحوظ، ومن ناحية أخرى كشفت إحصائيات إنجليزية أن الأطفال الذين يولدون خارج علاقة الزواج يكونون أعلى عرضة للوفاة قبل بلوغ العام الأول بنسبة 45% من المواليد الذين يولدون على فراش الزوجية.
7- الإيمان
أظهرت دراسة أن الإيمان القوي والتواصل الروحي مع رب العالمين، يساعد في تخفيف آلام المفاصل، وتحسين القدرة على التعايش مع الأمراض، كما أكسب هذا الإيمان الأشخاص قدرة على السيطرة على الألم، وساعد في تحسين الظواهر الإيجابية في الحياة والمزاج الجيد والتواصل مع الآخرين، ووجود هدف في الحياة، وقلل آثار الظواهر السلبية كالاكتئاب والتوتر والأفكار السلبية، كما أكسبت أساليب التحمل الروحية والدينية القدرة على السيطرة على الألم وتخفيفه، وفي هذا الصدد ذكرت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية إن تلاوة القرآن على غير المسلمين الذين لا يجيدون اللغة العربية له تأثير مهدئ وتغيرات فسيولوجية تعمل على تخفيف درجة توتر الجهاز العصبي التلقائي، حيث بلغت نسبة التأثير الإيجابي لسماع تلاوة القران الكريم 97% مقارنة بتلاوة جمل من اللغة العربية التي لم يكن لها أي تأثير .
8- الرياضة
من ناحية أخرى لاحظ الباحثون من جامعة ماستريخت الهولندية أن معدل استهلاك الطاقة عند الأشخاص الذين يمارسون تمارين معتدلة لفترة طويلة كان أكبر من الذين يقومون بنشاط حركي أكثر كثافة لمدة قصيرة، ونوهت الدراسة إلى أن الأعمال المنزلية تقع ضمن التمارين المعتدلة الطويلة الفترة، مما تسبب استهلاكا كبيرا للطاقة وتحقق اللياقة البدنية المطلوبة للجسم .
إن ممارسة الأنشطة الاجتماعية لا تقل درجة أهميتها عن الممارسات الرياضية في الحفاظ على الصحة وإطالة العمر، ففي تقرير أوردته المجلة الطبية البريطانية قالت فيه أن المسنين الذين يمارسون أنشطة اجتماعية ( أعمال جماعية تطوعية، رحلات يومية والذهاب إلى أماكن العبادة وارتياد أماكن الترفيه.. ) يعيشون لفترة أطول مقارنة بمن لا يمارسون مثل هذه الأنشطة.
9- دخل الفرد
بينت دراسة علمية أمريكية وجود علاقة ما بين الدخل المادي للفرد ومدة حياته، فكلما ارتفع الدخل المادي له كانت فرص الحياة أكبر والمخاطر الصحية أقل لديه، فالدخل الجيد يمكّن من الحصول على تأمينات صحية أفضل، وبالتالي يقلل من فرص التعرض للأمراض ومضاعفاتها، وأشارت الدراسة إلى أن لكل زيادة في الدخل ومستوى التعليم لها أثرا ملحوظا على الصحة، فالأشخاص ذوو الدخل المحدود أكثر صحة من أولئك الذين في فقر مدقع، إلا أن الأشخاص ذوي الدخل المتوسط أفضل صحة منهم، وأضافت الدراسة أن الأشخاص الذين لم يتلقوا تعليما مناسبا عادة ما يحصلون على أعمال ووظائف قليلة الدخل، لا تقدم لهم تأمينات صحية شاملة، مما يعني أن العناية الصحية لديهم أقل.
كشفت إحصائيات رسمية بريطانية عن أن متوسط أعمار الرجال من الطبقات الراقية اجتماعيا في بريطانيا يزيد بواقع ثلاث سنوات على الأقل مقارنة بمتوسط أعمار الطبقة التي تعمل في مهن يدوية، وهذا ينطبق أيضا على النساء وإن كان بشكل أخف قليلا، ومن المتوقع أن يصل متوسط عمر الرجال في بريطانيا إلى 75.1 عاما، والنساء إلى 80 عاما.
10- التعليم
يرى الباحثون أن التعليم يطيل الحياة ويشجع المحافظة على الصحة السليمة، فالأشخاص الأقل حظا في التعليم لديهم معدلات وفاة أعلى بسبب ارتفاع معدل إصاباتهم المرضية، كما يلعب التعليم من ناحية أخرى دورا أيضا في التحكم بعادات تدخين السجاير التي انخفضت بين الأشخاص الأفضل تعليما، حيث يكون الأفراد الأقل تعليما أكثر ميلا للتدخين بحوالي الضعف مقارنة بالأكثر تعليما، ونوهت الدراسة إلى أن الوفيات الناتجة عن الأمراض الفتاكة انخفضت كثيرا، فأمراض القلب تابعت انخفاضها إلى حوالي 12% من عام 1990 إلى 1996 ، كما أن الوفيات بأمراض السرطان قلت بحوالي 5% عما كانت عليه.
من ناحية أخرى حذر تقرير أمريكي بأن الأضرار التي يخلفها مرض الإيدز أو مرض نقص المناعة المكتسبة لا تقتصر على الوفيات لمئات آلاف المرضى به، وإنما يتجاوزها ليصل إلى تقصير معدل عمر الإنسان، فقد أدت إلى خفض متوسط العمر في زيمبابوي بنحو 25 عاما، حيث وصل متوسط الأعمار في هذا البلد الأفريقي إلى 39 عاما بدلا من 65 عاما، وانخفض متوسط العمر في بوتسوانا من 62 إلى 40 عاما، وانحسر في سويز لاند من 58 إلى 39 عاما، وتراجع في مالاوي من 51 إلى 37 عاما، وهو مؤشر خطير على الأضرار التي يلحقها هذا المرض الوبائي على حياة الشعوب.
كشفت دراسة دنماركية عن أن المتعلمين أقل عرضة لإصابة بالإكتئاب، وأكثر تحمسا لتحقيق الإنجازات والأحلام والطموحات، كما يتمتعون بصحة أفضل ووضع اجتماعي واقتصادي مريح مقارنة بمن تركوا المدرسة في الصغر، ولاحظ الباحثون أن الأشخاص من كبار السن الذين لم يحصلوا على تعليم عال هم أكثر عرضة للإكتئاب من المتعلمين في نفس السن، مشيرين إلى أن الإنسان المتعلم يعيش مدة أطول من غير المتعلم بحوالي 10 سنوات، ولفت الباحثون الانتباه إلى أن المتعلمين أكثر تمسكا بالحياة الصحية والمواظبة على الرياضة والإقلاع عن العادات السيئة كالتدخين، حيث تبين أن نسبة المدخنين بين المتعلمين كانت أقل منها بين غير المتعلمين، كم أنهم أكثر إتباعا للإجراءات الوقائية والتزاما بالتوصيات الطبية والصحية، وأكد هؤلاء أن التحصيل العلمي العالي غالبا ما يؤدي إلى المناصب العالية ومستويات الدخل الضخمة، كما يساعد على إدارة الحياة والتخطيط للمستقبل بشكل أفضل والتغلب على العوائق والمشكلات التي تعترض حياة الإنسان، وأظهرت دراسات أخرى أن المتعلمين أقل عرضة لتدهور الذاكرة والأمراض العصبية والدماغية المصاحبة للتقدم في السن، مؤكدة أنه كلما كان المستوى الأكاديمي للإنسان أعلى كلما قل تعرضه واستعداده للخرف.
وأضافت دراسة الدكتور بيتر مكارون وزملاؤه بجامعة كوينز في بلفاست أن طلبة العلوم والهندسة لديهم فرص أفضل في أن يعمروا طويلا، ويعيشوا حياة صحية أفضل، يليهم طلبة الطب ثم طلبة القانون والفنون، واعتمدت الدراسة التي نشرت في مجلة جمعية الطب الملكية على بيانات صحية تم جمعها من 8000 خريج من جامعة جلاسكو بين الأعوام 1948 و1968، حيث كان 5% من الشعب البريطاني يلتحق بالجامعة، في حين تصل النسبة الآن إلى 40% والذين يأتون من خلفيات اقتصادية واجتماعية مختلفة، كما بينت الدراسة أن خرجي العلوم هم أقل ميلا للتدخين، ولذلك فإن معدلات الإصابة بسرطان الرئة هي الأقل بينهم، كما أن أقل معدلات الإصابة بمرض القلب سجلت بين خرجي كليات العلوم، ويعلل الدكتور النتائج بانتقال طلبة العلوم إلى بيئات مهنية أكثر أمنا أو أكثر منحا للاستقرار.
وأضاف باحثون كنديون من أن التحدث بلغتين خير من التحدث بلغة واحدة، للحفاظ على حيوية المخ ونشاطه، كما وجد الباحثون أن الشبان وكبار السن الذين ينشؤون وهم يتحدثون بلغتين يتمتعون بعقلية أكثر فاعلية وسرعة في الاختبارات من هؤلاء الذين يتحدثون لغة واحدة، إذ يظهرون معدلات أقل من حيث التراجع الطبيعي لقدرات المخ، وهو ما يُقترن بالتقدم في العمر.
ويحلل السير مايكل مارموت أستاذ الأمراض والصحة العامة بجامعة لندن أن سبب التفاوت في طول العمر هو انه عندما يصعد الأفراد السلم الاجتماعي يكتسبون سلطة أو قوة اكبر تحدد كيفية عملهم أو معيشتهم، وهذا الاستقلال الذاتي أو بالاحرى قدرة الشخص على التحكم في حياته والفرصة للانشغال الاجتماعي الكامل والمشاركة هي أمور حاسمة للصحة النفسية والجسدية وطول العمر، كما أن الجوانب الصحية تستجيب لقوة الثراء والوضع الاجتماعي، فقد وجدت دراسة الدكتور مارموت أن الإنسان كلما صعد السلم الاجتماعي كلما زادت وقايته من أمراض القلب والتهابات المفاصل والسكري والجلطات، ولكن هذا التأثير الوقائي يستثني مرض السرطان.
أظهرت نتائج دراسة كندية أن الممثلين والممثلات الحائزين على جوائز الاوسكار تطول حياتهم لمدة أربع سنوات إضافية بالمقارنة مع زملائهم الذين لم يفوزوا بالجائزة التي يحلم بها كل نجوم هوليوود، فمن بين 762 فائزا وفائزة بالاوسكار وجد العلماء أن الممثلين الذين لم يفوزوا بالجائزة يتوفون في المتوسط عن عمر 75.8 عاما في حين أن زملائهم الأكثر نجاحا يحصلون على مدة إضافية تتراوح بين 3.9 و6 أعوام اعتمادا على عدد جوائز الاوسكار التي يفوزون بها، وعلق الدكتور دونالد ريديلمير من قسم الصحة من جامعة تورنتو بان الإحساس النابع من الفوز بالاوسكار يمكن أن يدوم مدى الحياة وان ذلك يغير من الطريقة التي يتكيف بها الجسم مع الضغوط.
11- المراجع